حسام بهجت. صورة من حسابه على فيسبوك

المبادرة مستمرة في العمل: حوار مع حسام بهجت عن رسائل الدعم وانزعاج السلطات

منشور الأحد 22 نوفمبر 2020

 

بالنسبة للصحفي حسام بهجت الذي عاد مؤقتًا إلى بيته القديم مديرًا للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية بعد القبض على مديرها التنفيذي واثنين من كبار موظفيها الأسبوع الماضي، فإن العمل سيستمر رغم هذه الحملة الأمنية والتي يرى أنها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بعمل المبادرة بشكل عام، خاصة بعدما نشرت تقارير يبدو أنها تسببت في "إزعاج السلطة".  

ففي يوم عودته إلى إدارة المبادرة التي أسسها قبل 18 سنة وترأس مجلس إدارتها حتى عام 2012، قرر عدم توقف العمل موضحًا في حوار مع المنصة "العمل مستمر والمحامين في النيابات والمحاكم بيتابعوا القضايا المسؤولين عنها، وآخرها قضية محمد أشرف الستاند آب كوميدي واللي خد إخلاء سبيل، وصفحة المبادرة على فيسبوك نشرت الخبر، بجانب العمل البحثي والقانوني والدعوي الخاص بالمبادرة".

وكان الأسبوع المنقضي حافلًا بالنشاط بالنسبة للشرطة، حيث بدأ يوم الأحد بالقبض على المدير الإداري للمبادرة محمد بشير، وامتد إلى يوم الأربعاء بالقبض على الباحث كريم عنارة مسؤول ملف العدالة الجنائية بينما كان يقضي إجازة في دهب، واختتم يوم الخميس بالقبض على مديرها التنفيذي جاسر عبد الرازق.

وبعد القبض على كل واحد من الثلاثة، اقتيد معصوب الأعين إلى مكان مجهول، يرجح بهجت أنه أحد المقار التابعة لجهاز الأمن الوطني، ثم ظهروا واحدًا تلو الآخر أمام نيابة أمن الدولة التي حققت معهم وقررت حبسهم 15 يومًا على ذمة القضية رقم 855 ووجهت إليهم تهم "الانضمام لجماعة إرهابية وإذاعة بيانات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام، والإضرار بالمصلحة العامة، واستخدام حساب على الإنترنت في نشر أخبار كاذبة".

هذه الهجمة أعقبت زيارة أجراها سفراء ألمانيا والدنمارك وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وسويسرا وفرنسا وفنلندا وهولندا، والقائمون بأعمال سفراء كندا والسويد والنرويج، ونائب سفير المملكة المتحدة، وممثلون عن المفوضية الأوروبية في القاهرة، لمقر المبادرة يوم 3 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، لمناقشة عدد من قضايا حقوق الإنسان وسبل دعم أوضاع حقوق الإنسان في مصر والعالم.

https://www.facebook.com/german.embassy.cairo/posts/3565098910223211

ولكن بهجت لا يرى أن هذه الزيارة هي السبب في القبض زملائه العاملين في المبادرة ولكنها قد تكون ذريعة إذ قال إنها "كانت سببا فقط للقبض على العاملين بالمبادرة في اللحظة الحالية، ولكن السبب الأصلي هو عمل المبادرة في الأساس"، مشيرًا إلى أن "الزملاء المعتقلين سئلوا عن نشاط المبادرة على مدار 18 عاما منذ تأسيسها".

وجرت هذه الزيارة الدبلوماسية بناءً على رغبة السفراء، وفقًا لبهجت الذي يضيف أنه عند عقد اجتماعات مع سفراء أو دبلوماسين أجانب، تصر المبادرة على عقد اللقاء في مقرها وعلى نشر الصور عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي "لو كان 13 سفير حضروا للمبادرة بسيارتهم وحراساتهم الخاصة ولم يتم الإعلان عن الزيارة كان وقتها ممكن يكون في شيء غريب أو مريب"، مؤكدًا "نحن أعلنا عنها (الزيارة) لأننا نعلن كل أنشطة المبادرة، نحن لا نعقد أنشطة سرية، ولا نوفر السرية إلا لبيانات الضحايا أو المتعاملين معها، فكل ما نفعله ننشره".

ولا يرى حسام رابطًا بين هذه الزيارة وفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بالانتخابات الأمريكية حيث ذكر أن "الزيارة حدثت في 3 نوفمبر، ووقتها كان لسه مفيش أي إعلان عن النتيجة وبداية التصويت في أمريكا، والزيارة كانت وفقا لموعد تم تحديده من السفراء أنفسهم، والإعلان عن الزيارة أيضا كان قبل إعلان فوز بايدن، الذي تم الإعلان عنه في الأسبوع التالي للانتخابات".

تقارير تزعج السلطات

ويوضح بهجت بمزيد من التفصيل ملابسات التحقيقات التي جرت مع زملائه الثلاثة بعد القبض عليهم والذين "تم اقتيادهم معصوبي الأعين لإحدى الجهات غير المعلومة، نتصور أنها إحدى مقار الأمن الوطني، وجميعهم سئلوا عن سبب زيارة السفراء للمبادرة، ومن الداعي للزيارة، وما تم مناقشته، ثم ينتقل الاستجواب لأنشطة المباردة، والسؤال حول أبحاث وتقارير بعينها أو مقالات نشرها العاملون بالمبادرة، وسئلوا أيضا عن الهيكل الإداري للمبادرة".

ويعتبر المدير المؤقت للمبادرة أن توقيت زيارة السفراء "ربما (..) كان وقتها مناسبا للحكومة لتكون ذريعتها لضرب المبادرة والقبض على العاملين بها"، ولكنه لا يستبعد أيضًا أن تكون هناك "رسالة للمجتمع الدولي بأن الاهتمام الجماعي بأوضاع حقوق الإنسان لن يعود مجددًا، ولن يسمح به النظام حتى ولو كان أمرًا معتادًا في الفترات السابقة". مدللًا على ذلك بقوله إن "القبض على زملائنا مرتبط ارتباطًا وثيقًا بنشاطنا، وبعمل المبادرة، لأن الأسئلة في تحقيقات نيابة أمن الدولة للزملاء، كانت حصرية عن أعمال سلمية قامت بها المنظمة، أو دراسات أو أبحاث وحملات".

كان تقرير شهر أكتوبر/ تشرين الأول عن أحكام الإعدام في مصر مثيرًا لاهتمام نيابة أمن الدولة أثناء تحقيقاتها مع عنارة والتي استغرقت أربع ساعات خصصت منها ساعة كاملة للسؤال عنه بحسب بهجت الذي يوضح للمنصة "سُئِل (عنارة) لمدة ساعة كاملة من التحقيقات معه التي استمرت لأربع ساعات عن آخر تقارير أعدتها المبادرة عن أحكام الإعدام في مصر، وهو تقرير تصدره المبادرة شهريا، ولكن من الواضح أن تقرير أكتوبر أزعج السلطات، لأنه رصد تنفيذ أحكام إعدام بالفعل ضد 51 شخصا، ثم انتقلت التحقيقات لمناقشته عن تقاريره عن أوضاع السجون وحقوق السجناء، وإجراءات الحماية من وباء كورونا"

رسائل دعم

هذه الحملة الأمنية أثارت ردود فعل دولية غاضبة وموجات تضامن مع المبادرة التي تلقت، بحسب بهجت، رسائل دعم من السفارات التي شارك ممثلوها في هذا اللقاء ومن غيرهم، لتتسع دائرة الدعم والتعبير عن التضامن وإعلانهم متابعة القضية ومناقشتها مع الحكومة المصرية، لأن الأمر يتعدى انتهاك حقوق الإنسان أو التضييق على المجتمع المدني، إذ يبدو أن "قرارات الاعتقال جاءت بعد الزيارة التي أعلنت عنها المبادرة، ونشرت صورها على صفحتها الرسمية، وبالفعل سُئِل عنها المعتقلين من المبادرة في تحقيقات الأمن الوطني".

وبينما أبدى الإعلام خارج مصر اهتمامًا بالقضية وبالنشر عنها وتواصل مع المبادرة، فإن ما حدث داخل كان مختلفًا إذ لم يزد عدد وسائل الإعلام التي اهتمت بالأمر في الداخل عن أصابع اليد الواحدة "مفيش حد فكر يسألنا إيه اللي حصل، لمجرد النشر مش للتضامن حتى".

المبادرة أعلنت في بيان حاجتها للدعم والمناصرة للإفراج الفوري عن معتقليها، وفي حديثه إلى المنصة أوضح بهجت أن المبادرة بالفعل حصلت على أشكال عديدة من الدعم وأشكال التضامن المختلفة سواء من منظمات صديقة بدول مختلفة تواصلت مع السفارات المصرية في الخارج، أو أرسلت رسائل للسفراء في الخارج، وأيضا تواصلوا مع ممثلينهم البرلمانيين، وطلبوا من النواب المنتخبين التواصل مع الحكومة المصرية وتضامنهم مع المبادرة والسؤال عن أسباب توجيه التهم للزملاء المعتقلين، ورفضهم لما يحدث، وأيضا التواصل مع الصحف والإعلام بدول مختلفة وإخطارهم بما يحدث والمستجدات، وحملات جمع التوقيعات.

.. وإدانات دولية

وبالإضافة إلى حملات التضامن فقد نددت دول ومنظمات على رأسها الأمم المتحدة بالقبض عن المدافعين الثلاثة عن حقوق الإنسان.  

أنتوني بلينكن، مستشار السياسة الخارجية للرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، قال حسابه على تويتر يوم الجمعة "التقاء دبلوماسيين أجانب ليس جريمة. كما أن الدفاع السلمي عن حقوق الإنسان ليس جريمة أيضًا".

أما السيناتور بيرني ساندرز الذي كان مرشحًا لنيل ترشيح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة فقد وصف عمليات اعتقال الناشطين المصريين بـ "الأمر المشين".

كما أعلن مكتب حقوق الإنسان التابع للخارجية الأمريكية عن قلقه لحبس الحقوقيين التابعين للمبادرة.

وفي المقابل شنت عدة مواقع محلية حملات هجوم على المبادرة، ووصفتها بأنها "صاحبة تاريخ أسود"، وأعتزم أحد المحامين تقديم بلاغ ضدها للنائب العام.

الخارجية الفرنسية نددت بما حدث، فردت عليها الخارجية المصرية ببيان تعرب فيه عن رفضها لما سمته "التدخل في الشؤون المصرية، ومحاولة التأثير على التحقيقات التي تجريها النيابة العامة مع مواطن مصري تم توجيه اتهام له اتصالا بأحد القضايا المنظورة أمام القضاء المصري".

وأصدرت الخارجية بيانًا آخر زعمت فيه أن "حرية العمل الأهلي مكفولة في مصر بموجب الدستور والقوانين المصرية، وأن العمل في أي من المجالات يجب أن يكون على النحو الذي تُنظمه القوانين المطبقة ذات الصلة ومُحاسبة من يخالفه".

ولكن بهجت اعتبر، تعقيبًا على بيان الخارجية الأخير، أن "الأمر لا يتعلق بمخالفة قانون الجمعيات الأهلية، ولم توجه للثلاثة المقبوض عليهم من المبادرة تلك التهمة من الأساس، فالتهم متعلقة بنشاط المبادرة وعملها، كما أن المبادرة مسجلة كشركة للدراسات والاستشارات بالهيئة العامة للاستثمار، وتسدد جميع الضرائب الخاصة بها، وتمارس عملها تحت مظلة القانون".

وفي فبراير/ شباط الماضي، ألقي القبض على الباحث في المبادرة باتريك جورج في مطار القاهرة لدى عودته في إجازة من إيطاليا حيث يستكمل رسالة الماجستير في جامعة بولونيا، وما زال محبوسًا منذ ذلك الوقت بتهمة إشاعة أخبار وبيانات كاذبة من شأنها تكدير السلم المجتمعي، ونشرت منظمات حقوقية تقارير حول تعرضه للتعذيب بعد القبض عليه، ونفت نيابة أمن الدولة الأمر.

من المبادرة إلى الصحافة.. وبالعكس

بعد أن أسس حسام بهجت المبادرة عام 2002، ظل مديرا لها حتى 2013 عندما أعلن ترك منصبه والعمل كصحفي في مدى مصر

ومع عودته مجددًا في هذا الظرف الاستثنائي لإدارة المبادرة متطوعًا كانت أولويته "الاطمئنان على أعضاء الفريق العامل والتأكد من سلامتهم، بجانب توفير الدفاع القانوي للزملاء الذين تم القبض عليهم، ومعرفة أماكن السجون الموجودين بها، بجانب توفير أكبر قدر من المعلومات حول ما تم في التحقيقات والتهم ونشرها على أوسع نطاق والتواصل مع المنظمات الحقوقية، وتنسيق أنشطة التضامن".

وفاز بهجت عام 2011 بجائزة منظمة هيومن رايتس ووتش "أليسون دى فورجيه" التي "تحتفي بشجاعة الأفراد الذين يعرضون حياتهم للخطر من أجل حماية كرامة وحقوق الآخرين"، وهو لا يرى تعارضًا بين العمل الحقوقي والعمل الصحفي "أنا صحفي ومدافع عن حقوق الإنسان ولم أضطر للاختيار بينهما منذ ما يقرب من 20 عاما". 

وفي نوفمبر 2015 وعلى خلفية تحقيق نشره في مدى مصر حول محاكمات عسكرية جرت لضباط في الجيش، ألقي القبض عليه ووجهت له النيابة العسكرية تهم "نشر أخبار كاذبة من شأنها أن تضر بالمصالح الوطنية ونشر المعلومات التي تزعج السلم العام" وقررت حبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق وهو ما أثار موجة إدانات دولية كانت أبرزها تصريحات بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة حينها. وبعد يومين من القبض عليه أخلي سبيله.

وفي 2016 اكتشف بهجت وجود اسمه في قوائم الممنوعين من السفر عندما كان متوجهًا للأردن للمشاركة في اجتماع للأمم المتحدة حول العدالة في العالم العربي.

ولا يستبعد بهجت القبض عليه مجددًا "متوقع القبض عليا، أنا مؤسس المنظمة ومديرها الحالي، بجانب أنني المستهدف في حملات التشويه المستمرة المكثفة والمنسقة التي تحدث في الإعلام المملوك للأجهزة الأمنية، مستعد للقبض وضمي للقضية، لكن الخوف من القبض أو الاعتقال لا يتدخل في الخطة الحالية لإدارة المبادرة".